يوم ثورة ٣٠ يونيو الفارقة، وقفتُ على منصّة الاتحادية وقلت: «إن الإخوان خطأٌ مطبعىٌ فى مدونة مصر الناصعة، نعملُ الآن على تصحيحه». ثم كتبتُ يوم ١١ يوليو، هنا بجريدة «الوطن»، مقالاً عنوانه: (خطأ مطبعىّ جارٍ تصحيحُه). وظللتُ أنتظرُ أسبوعاً بعد أسبوع، وشهراً تلوَ شهر حتى تحينَ لحظةٌ مشرقة أكتبُ فيها مقالاً عنوانه: (خطأ مطبعى «تمَّ» تصحيحه).
لكن يبدو أن ذاك الخطأ الفادحَ قد
كُتب بقلم «الكوبيا». لكى يُمحى لا بد أن يُلوّث الصفحةَ البيضاء ولا يتركها إلا
مشوّهةً قبيحة، تُفكّر معه أن تقطع الورقة من الدفتر، وتمزّقها، لتكتبَ صفحةً
جديدة، على أن تراعى ألا تعاودَ الخطأ الطباعىّ، لكيلا تضطرَ إلى محو الركاكة التى
تشوّه مدونة الجمال.
لكنْ، حالَ الحديث عن مصر، بتاريخها
العريق الضارب بجذوره فى عمق التاريخ، فنحن مطمئنون إلى أن دفتر مصرَ ضخمٌ، محتشد
بغزير الأوراق والتواريخ والعقود والقرون والمحن والانتصارات. فلا قلق هنالك من
تمزيق ورقة رديئة الصوغ، كُتبت فى لحظة عبثية، ذات غفلة من التاريخ الذى يدوّن
صوابنا الغزير، وأخطاءنا القليلة. فمصرُ ليست وحسب تلميذة متفوقة «شطورة» فى فصل
التاريخ، بل هى أستاذته وسيدته وصانعته. فلا بأس أن يكون للأستاذ كبوةٌ، فتكون
الاستثناءَ الذى يؤكد القاعدة. والقاعدةُ هنا: إن مصرَ أمُّ الزمان والمكان
والدنيا، لا يصحُّ أن يسرقها لصوصٌ، أو تحكمها عصابةٌ من قطّاع الطرق الإرهابيين.
ولأن الإخوان ليسوا أذكياء، وتنقصهم «الحساسة»
و«السينس»، مازالوا، بقلب بارد «بِلِط»، يكافحون للعودة للحكم قسراً، ضدَّ إرادة
شعبٍ حاشد، هدر بعشرات الملايين للفظهم وإسقاطهم! ولأن الإخوانَ خونةٌ أعداءُ مصر
وأعداءُ العروبة، فإنهم يحتمون الآن بأمريكا (التى كانت حتى الأمس فى عُرفهم
كافرةً صهيونيةً داعمةَ إسرائيل)! أمريكا التى كشفت عن سوءتها بدعمها الإرهاب فى
المنطقة العربية لكى تجد مبرراً لزرع قواعدها العسكرية فى بلادنا، كما حدث فى
العراق رغماً عنه، وفى قطر بترحيب شيخها ذى «النخوة»، وشيختها ذات الهمّة، بدعوى
حماية إسرائيل (المسكينة المستضعفة).
أمريكا الغافلة، أو المتغافلة، التى
يبدو أن «إيريالها» لا يلتقط إلا موجات قناة الجزيرة الكذوب، توعز لجرائدها أن
تكتب ترهات لا يُعوّل عليها من قبيل ما كتبت «واشنطن بوست» هذا مؤخراً أن مصر
استبعدت التيارات الإسلامية من المشاركة فى العملية السياسية! وكأن حزب «النور» السلفى
الذى دسّ أنفه «البلكيمىّ» الهائل فى كتابة الدستور على هواه، ليس تياراً
إسلاميًّا، بل تيار «كهربائى»، وكأن الجريدة لم تسمع بالثمانية أحزاب الإسلامية
التى دعتها لجنة الـ50 للمشاركة، ورفضت محاباة للإخوان الإرهابيين!
كنتُ أول المنادين بإطلاق سراح فتيات
الإخوان ومحاولة استعادتهن لحاضنة الوطن. تكلّمتُ كأمٍّ لديها صغار تخشى على
مستقبلهم الوليد. لكن أحد قرائى أرسل لى الفيديو الذى سجّل تجاوزهن الأخلاقى
والسلوكى واللفظى، فذُهلت! أولئك فتياتٌ؟ أولئك مؤمناتٌ ربيباتُ بيوت وعائلات؟ بئس
ما يعلّم الإخوان شبابَهم وشابّاتهم من تخريب وضحالة فكرية وانحطاط سلوكيّ!
الخطأ المطبعىّ جارٍ تصحيحه لا ريب. وإن
كان الإخوان قلمَ «كوبيا» رخيصاً ردىء الصنع، فإن دفترَ تاريخ مصرَ حجمه آلاف
الأوراق. كلُّ ورقة بعام مما يعدّون؛ فلا يضيره تمزيقُ ورقة بالية كُتبت بخطٍّ
ردىء.
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق